فصل: الباب الأول: في السنة، والبدعة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.الفصل الثاني: في نسبة الخلع إلى المعاملات:

وهو يجري في ثبوت العوض في الذمة مجرى البياعات، فيقول: خالعتك أو طلقتك على ألف. فهو كالمعاوضة في اشتراط القبول. ولو قال: طلقت ثلاثاً على ألف، فقالت: قبلت واحدة على ثلث الألف، لم تقع. ولو قبلت الواحدة بكمال الألف وقعت.
أما إذا أتى بصيغة التعليق فقال: متى أعطيتني ألفاً فأنت طالق. فهذا تعليق محض، فلا يحتاج إلى قبولها، ولا إلى إعطائها في المجلس، ولا له الرجوع قبل الإعطاء.
ولو قال: إن أعطيتني، فهو كذلك، إلا أن يظهر من قصده أنه أراد تعجيل الإعطاء في المجلس فيتقيد به، فإن أتت صيغة التعليق من جانب المرأة فقالت: متى طلقتني فلك ألف، لم تختص بالمجلس، إلا أن تكون قرينة تدل على ذلك.
ولو قالت: طلقني ثلاثاً على ألف، فقال: طلقتك واحدة على ثلث الألف، استحق ثلث الألف. وكذلك لو قال: على الألف، نفذ واستحق الألف على المنصوص، ولا كلام لها، لأن مقصودها حاصل.

.الباب الثاني: في أركان الخلع:

وهي أربعة: العاقدان والعوضان.

.(الركن) الأول: الموجب:

وشرطه أن يكون مكلفاً زوجاً، أو من أقيم مقامه، كالأب في غير البالغ من بنيه إذا أخذ له شيئاً. فإن كان بالغاً سفيهاً، فقيل: يجوز خلع الأب عنه قياساً على نظره في أمواله. وقيل: لا يجوز قياساً على الطلاق وكالوالي في الصغير. وكالسيد في عبده وأمته.
وقيل: لا يمضي خلع السيد عليهما بغير اختيارهما.
ومنشأ الخلاف النظر إلى الإجبار على النكاح وهذا من توابعه، أو إلى كون العقد قد استقل ولا حكم للسيد فيه فلا يزيله بغير اختيارهما. وعن هذا رأى أبو الحسن اللخمي: أنه يخالع عن الأمة التي العصمة بيد غيرها، دون العبد الذي العصمة بيده.
واختلف في صحة خلع السفيه. ثم إذا صححنا، فلا يبرأ المختلع بتسليم المال إليه، بل إلى الوالي.

.الركن الثاني: القابل:

وشرطه أن يكون أهلاً لالتزام المال، والتزام الأمة فاسد، واختلاعها بإذن السيد صحيح، ولا يكون السيد ضامناً للمال.
واختلاع السفيه فاسد لا يوجد المال، ويرد إن كان قبض، لكن إذا قبلت وقع الطلاق وإذا اختلعت الصبية لم يلزمها العوض، ووقع الطلاق. وروي عن ابن القاسم في التي لم تحض، وقد بنى بها الزوج، فصالحته على مال أعطته إياه، فذلك نافذ وله ما أخذ إن كان يصالح به مثلها.
قال أبو بكر بن محمد: المعروف من قول أصحابنا، أن المال مردود، والصلح ماض.
ويصح صلح الأب عمن يجبر من بناته، وعن صغار ذكور ولده. واختلف في سفهاء بالغيهم، وفيمن لا يجبر، ولا تملك أمرها.
ومنشأ الخلاف أن النظر فيه مشترك بين المال والبضع بأيهما يغلب؟
والمريضة إذا اختلعت بخلع مصلها مضى ذلك على ورثتها في رواية ابن وهب.
ومذهب الكتاب في ذلك أنه لا يجوز للزوج منه إلا قدر ميراثه منها أو أقل.
فرع:
وهل يعتبر قدر ميراثه منها يوم الخلع أو يوم الموت؟ فيه خلاف.
ثمرته الحكم برجوع الورثة على الزوج لو هلك مالها أو بعضه قبل الموت، وعدم رجوعهم.

.الركن الثالث: المعوض:

وشرطه أن يكون مملوكاً للزوج، فلا يصح خلع البائنة، والمختلعة، والمرتدة، ويصح خلع الرجعية.

.الركن الرابع: العوض:

وشرطه أن يكون متمولاً. ولا يشترط في صحة الخلع كونه سليماً من الغرر والجهالة، بل لو خالع على مجهول صح الخلع، ووقع الطلاق، إذ ليس سبيله سبيل المعاوضات المحضة كالمبايعات التي تبتغي فيها الأثمان، وإنما المبتغى في هذا تخلص الزوجة من الزوج، وملكها لنفسها، وفارق النكاح لأن الصداق حق لله سبحانه، وتجويز الجهالة فيه ذريعة إلى إخلاء النكاح عنه، وليس كذلك الخلع.
واختلف في حكم الإقدام عليه، فحكى فيه بعض المتأخرين ثلاثة أقوال: الجواز، والمنع، والكراهة.
أما لو اختلعت بخمر أو خنزير أو مغضوب، فلا يختلف المذهب في منعه ابتداء، ونفوذه إذا وقع، والمنصوص أنه لا شيء للزوج فيه. واستقرأ أبو الحسن اللخمي إيجاب خلع المثل من خلع المريضة.
ولو خالعها على أن أخرته بدين واجب لها تعجيله، أو على أن أسقطته وأخذت ماله تأجيله، فالخلع ماض، والدين باق بحاله، يبطل فعلها، ويخرج على الخلاف المتقدم في إيجاب خلع المثل.
وإن خالعته على حلال وحرام، كمال وخمر، جاز منه الحلال، ولا شيء للزوج غير ذلك.
وإن خالعها على عبد آبق، على أن زادها ألف درهم، فجوزه في الكتاب، وقدر أن العبد يجعل في مقابلة العموم، وهي الدراهم، فإن فضل فضل كان الخلع.
قال أبو محمد عبد الحق: وهو جار على مذهب ابن نافع في الموضحتين، أنه يجعل الشقص المصالح به لموضحة الخطأ. وأما على مقتضى قول ابن القاسم في قسمة المأخوذ بين الموضحتين، فيكون نصف العبد ها هنا في مقابلة نصف الألف، فيفسخ البيع فيه، وترد المرأة نصف الألف للزوج، ويبقى لها نصف العبد الآبق، وللزوج النصف الآخر بحق الخلع.
وإذا فرعنا على القول الأول، فهل تعتبر القيمة يوم الخلع، أو يوم قبض العوض، المشتمل على الغرر، وهو المشهور؟ قولان.
ولو خالعها على ما في يده، ورضي، ففتحت يدها فلم يجد فيها شيئاً، فقال أشهب: لا يلزمه طلاق. قال: وكذلك إن وجد حجراً. وإن وجد ما ينتفع به كالدرهم ونحوه لزمه الخلع.
وقال ابن الماجشون: يلزمه الخلع لأنه رضي بما غرته.
وقاله محمد وسحنون.
قال عبد الملك: ولو قالت أخالعك بعبدي هذا، ثم استحق، فإن كان لها فيه شبهة ملك لزمه الطلاق، ورجع عليها بقيمته، وإن لم يكن لها فيه شبهة ملك لم يلزمه طلاق. قال: كذلك لو قالت: خالعني على عطائي، ولا عطاء لها، أو لها عطاء معوق عنها.
فرع:
حيث وقع الخلع بالغرر وأمضيناه، فالجعل في طلب الآبق والشارد على الزوج إذا لم تتحمل له المرأة النفقة على ذلك.
وأما الجنين والثمرة، فقال أبو محمد عبد الحق عن بعض شيوخه القرويين: إذا خالعته على جنين في بطن أمه، فالنفقة على المرأة إلى خروج الجنين.
قال: وكذلك إذا خالعته على ثمر لم يبد صلاحه، فالنفقة على الأصول على المرأة، كالبيع على التبقية إذا أمضينا ذلك على غرره. وليس للمرأة أن تجبر الزوج على جد الثمرة، لأنه إنما دخل على بقائها. قال: وقال غيره من شيوخنا القرويين: سقي الثمرة على الزوج، وليس ذلك كالبيع، وجعل السقي كالجائحة.
ولو خالعها على أن ترضع ولده حولين، وتحضنه، صح، فإن أضاف إليه نفقة عشر سنين سقطت.
وقال المخزومي: لا تسقط.
قال أبو القاسم بن محرز: ومذهب المخزومي أظهر وأشبه بمذاهبهم في الخلع بالغرر.
قال: وإنما فرق مالك بينه وبين من خالع بغرر كالآبق والشارد، ونحو ذلك، لأن هذا الذي خالع على الآبق والشارد، إنما خالع على عين إن أخذها، وإلا فلا شيء له. والذي خالع على نفقة الولد أكثر من عامين، شرط النفقة في ذمة على غرر، وقد لا يسلم الولد، فيؤدي الأمر إلى الخصومة فيما شرطت على نفسها لاشتباه الحكم في ذلك. وإنما سامح في العامين وما دونهما وإن كانت غرراً أيضاً، لأن الصبي مضطر إلى رضاع أمه في الحولين. ولو لم يشترط ذلك عليها لشق على أبيه تكلف من يرضعه له. وليس في النفقة بعد الحولين في الطعام والشراب ما يشق على الأب تكلفه.
وإذا فرعنا على المشهور في قصر الصحة على الحولين، ثم ماتت الأم رجع الأب ذلك في تركتها.
ولو كان الولد هو الذي مات قبل انقضاء مدة الرضاع، ففي رجوع الأب عليها بما بقي خلاف.
ومما يتعلق بالعوض موافقة الوكيل ومخالفته، والنظر في وكيله ووكيلها.
أما وكيله، فإن قال له: خالعها بمائة فخالف ونقص، بطل الخلع ولم يقع الطلاق.
ولو قال مطلقاً: خالعها، فنقص عن خلع المثل، فادعى الزوج أنه أراد خلع المثل فالقول قوله.
وأما وكيلها بالاختلاع بمائة، فإن زاد وقع الطلاق، ولزمتها المائة، والزيادة على الوكيل. وإن أضاف الوكيل الاختلاع على نفسه، صح، ولزمه المسمى. وإن لم يصرح بالإضافة إليها ولا إلى نفسه حصلت البينونة، وعليها ما سمت، والزيادة على الوكيل. وإن أذنت مطلقاً فهو كالمقيد بخلع المثل.

.الباب الثالث: في موجب الألفاظ المعلقة بالإعطاء:

وفيه مسائل:
الأولى: إذا قال: إن أعطيتني ما أخالعك عليه خالعتك، فأعطته نصف دينار مثلاً، فقال: لم أرد هذا، وإنما أردت نصف ما تملكين، فلا يلزمه الخلع. قال في الرواية: ويخلى بينه وبينها. وعند الشيخ أبي إسحاق: أن له أن يطالبها بجميع ما تملكه. وأنكر هذا الشيخ أبو الحسن اللخمي، ورأى أن ذلك ليس من مقاصد الناس، وإنما يقصدون بعض المال لا كله.
الثانية: إذا علق بالإقباض والأداء والإعطاء، لم يختص بالمجلس، إلا أن يظهر ما يدل على اختصاصه به. وإن كان بما يقتضي الجواب، ففي بقائه لها وإن تفرقا خلاف.
ولو قال لها: متى ما جئت بكذا فارقتك، أو أفارقك، فأصل هذا أن ينظر فإن فهم عنه الالتزام لزمه، وإن فهم عند الوعد ففي المذهب قولان في وجوب الوفاء به.
قال الشيخ أبو الطاهر: فأما لو أدخلها في شيء بذلك الوعد، فالمذهب اللزوم.
قال: وفي هذه المسألة قولان منصوصان، وهما منزلان على ما قلناه.
الثالثة: إذا قال: إن أعطيتني ألفاً فأنت طالق، فأعطته ألفين، طلقت.
وكذلك لو قال: خالعتك على ألف، فقالت: قبلت ألفين.
الرابعة: إذا قال: إن أعطيتني ألف درهم، وفي البلد نقود مختلفة، والغالب واحد، فأتت بغير الغالب، لم يقع الطلاق، بل يختص وقوعه بالغالب، كالإقرار والمعاملة. ولو أتت بألف معيب لم تطلق، لوجوب تنزيل المطلق على المعتاد، وهو السليم.
الخامسة: إذا كان الغالب دراهم عددية، قبل تفسير التعليق بالمعتاد، كما ينزل عليها البيع والإقرار. وكذلك الحكم في الدراهم المغشوشة إذا كانت هي الغالبة في التعامل.
السادسة: إذا قال: إن أعطيتني عبداً فأنت طالق، ووصف العبد بما يميزه من الأوصاف، فأتت به على الصفة المذكورة طلقت، وملكه الزوج.
وإن اقتصر على ذكر العبد مطلقاً، طلقت بما ينطلق عليه اسم العبد من السليم.
ولو قال: إن أعطيتني هذا العبد، فأعطته، فخرج مستحقاً، رجع بقيمته. ولو خرج حراً رجع بقيمته أيضاً أن لو كان عبداً. وقيل: لا يرجع بشيء. ولو قال: إن أعطيتني هذا الحر وقع الطلاق بإعطائه رجعياً. ولو قال: إن أعطيتني هذا الثوب المروي فإذا هو هروي، طلقت إذا أعطته.

.الباب الرابع: في سؤال الطلاق:

وفيه فصول:

.الفصل الأول: في ألفاظه:

وفيه صور نذكرها متتالية. فنقول: إذا قالت: متى ما طلقتني فلك ألف، لم يختص الجواب بالمجلس، إلا أن يظهر من قرينة حالها ذلك.
ولو قالت: طلقني ولك علي ألف، فطلق، لزمها الألف، وصلحت هذه الصيغة منها للالتزام، وإن لم يصلح منه للالتزام. ولو قالت: طلقني على ألف، فقال: طلقتك ولم يذكر المال لزمه الطلاق، وكان جواباً. ولو قالت: أبني بألف، فقال: أبنتك بعد الخلع، ولزمها الألف.
ولو قالت: أبني، من غير ذكر مال، فقال أبنتك، وقع الطلاق الثلاث، ولم يلزمها مال.

.الفصل الثاني: في التماسها طلاقاً مقيداً بعدد:

فإذا قالت: طلقني ثلاثاً بألف، فطلق واحدة، استحق الألف على المنصوص، وكذلك لو قالت: طلقني عشراً بألف، استحق الألف بالواحدة.
ولو قالت: طلقني واحدة بألف، فطلقها ثلاثاً، استحق الألف، ولا كلام لها على المنصوص.
ولو قالت: طلقني نصف طلقة، أو طلق نصفي بألف، فطلق، بانت، وعليها الألف.

.الفصل الثالث: في المعلق بزمان:

فإذا قالت: طلقني غداً ولك ألف، استحق الألف مهما طلق، إما في الغد، وإما قبله إذا فهم من مقصودها تعجيل الطلاق. وإن فهم منها تخصيص اليوم لم يستحق، ولو طلق بعده لم يستحق. ولو قالت له: لك ألف إن طلقتني في جميع هذا الشهر، ولم تؤخر، استحق الألف إن وافق. ولو قال: أنت طالق غداً على ألف، فقالت في الحال: قبلت، وقع الطلاق في الحال، واستحق الألف.

.الفصل الرابع: في اختلاع الأجنبي:

وهو صحيح، كاختلاعها، ولا يشترط رضاها، لكن المال يجب على الأجنبي، وإن كان وكيلاً من جهتها، يخبر بين أن يخلع مستقلاً، أو بالوكالة، ويعرف ذلك من لفظه ونيته. فإن لم يصرح بالسفارة ونوى النيابة، تعلقت به العهدة، كما في الشراء.
ولو كان المختلع أباها وهي صغيرة، كان كالوكيل.
وإن اختلعها بالبراءة من الصداق صح إذا رآه نظراً.

.الباب الخامس: في النزاع:

وفيه صور:
إحداها: أن يقع في أصل ذكر العوض:
فالقول قولها مع يمينها إذا أنكرت أصل العوض، والبينونة تحصيل مؤاخذة له بقوله.
وقال عبد الملك: القول قوله، وتعود زوجة بعد أن يحلف الزوج أنه خالع على ما ذكر، وتحلف هي أنه كان طلاقاً بغير عوض.
وقال أصبغ: إلا أن يقول الزوج: إنما أردت أن لا يتم الخلع حتى تعطيني إذا نسق ذلك بإقراره بالخلع، فأما إذا قاله بعد ذلك، فلا قول له.
الثانية: النزاع في جنس العوض وقدره:
والقول قولها فيهما مع يمينها.
الثالثة: إذا توافقا على جريان الخلع بألف درهم مطلقاً:
وفي البلد نقود مختلفة لا غالب فيها، ولكن نويا نوعاً واحداً، صح الخلع.
الرابعة: النزاع في المعوض:
فإذا قالت: سألتك ثلاث تطليقات بألف. فأجبتني، فقال: بل سألت واحدة. فقد اتفقا على الألف ووقوع البينونة بها وتنازعا في عدد الواقع من الطلاق، فالقول فيه قوله.
الخامسة: إذا خالعته على عبد غائب، فمات:
أو وجد به عيباً، فقال: كان ذلك قبل الصلح، وقالت هي: بل بعده. فهي مدعية، وعليها البينة. وإن ثبت أنه مات بعد الصلح، فلا عهدة، بخلاف البيع.
قال عبد الحق: وقال غير واحد من شيوخنا القرويين: إذا خالعته على عبد آبق فثبت أنه مات قبل وقوع الخلع بينهما، لم يكن للزوج درك على المرأة، لأنه على الغرر دخل، إلا أن يثبت أن المرأة علمت بموت الآبق قبل الخلع، فتكون قد غرته، فعليها قيمة الآبق على غرره.
فروع: لو خالع ثم تبين كون النكاح فاسداً، رد ما أخذ منها إن كان النكاح مجمعاً على فساده. وإن كان مختلفاً فيه، جرة على القولين في مراعاة الخلاف.
وإن تبين أن به عيباً يوجب الخيار، أو بها، فقال محمد: يمضي الخلع، وله ما أخذ في كل شيء يجوز المقام عليه. وإنما يرد ما أخذ في نكاح لا يقران عليه مثل الحرام ونحوه.
وخالف عبد الملك بين عيوب الرجال وعيوب المرأة، فقال: إن كان العيب بالرجل، رد عليها ما أخذ منها. وكذلك في كتاب ابن سحنون.
قال محمد: والحجة على عبد الملك أن الرجل يفارق امرأته، ثم يقول بعد ذلك: إنه قد كان بها من العيوب ما كان، له أو يردها به، فلا يكون له بذلك حجة، ولا ينتفع بشيء من ذلك.
قال: أبو إسحاق التونسي: ولا يمتنع عبد الملك أن يقول ما قاله محمد إذا ثبت أن بها عيوبا قبل أن يفارقنا لو علم الزوج بها لفارقها، ولم يلزمه صداق، لأنه يقول: ظننت أنه لا عيب بها، فلهذا أعطيتها نصف الصداق حين طلقتها.
كما تقول المرأة إذا أعطت الزوج شيئاً على الخلع ثم ثبت أن به عيباً لو علمته لقدرت على فراقه بغير شيء، فتقول: لو علمت لاخترت فراقه، ولم أعطه شيئاً. ولا فرق بين السؤالين. قال: وقد اختلف في خلعها في النكاح المختلف فيه، مما يجب أن يفسخ لو علم به قبل خلعها، فقيل: يمضي الخلع، وقيل: يرد.
ومسألة عيب الرجل أشد في الخلع من النكاح المختلف فيه، لإمكان أن يرفع إلى من يرى إثباته، فقد انتفعت بالخلع، إذ قد يمكن لو رفعته إلى حاكم لأقره.
وأجرى الشيخ أبو الطاهر الخلاف في هذه المسألة على الخلاف في الرد بالعيب هل هو نقض للعقد من أصله، فيرد ما أخذ منها، أو هو نقض عند الرد خاصة فيمضي.
ولو حلف بطلاقها إن خالعها، ثم خالع، فإن كانت يمينه بالثلاث، ففي الرواية أنه يرد ما أخذ منها، ويمضي عليه الطلاق الثلاث.
وأجراه أبو الحسن اللخمي على الخلاف في حق من قال: إن بعث عبدي فهو حر، ثم باعه. والمشهور مضي العتق. والشاذ أن البيع ماض، ولا عتق، وعلى هذا يمضي الخلع، ولا ترجع عليه بشيء.
وإن كان الطلاق المحلوف به دون الثلاث، ففي الرواية أنه يقع ما حلف به وطلاق الخلع.
وأجراه أبو الحسن اللخمي على الخلاف فيمن أتبع الخلع طلاقاً، أو قال لغير المدخول بها: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، نسقاً، هل يلزمه ما بعد الواحدة أم لا؟.
بسم الله الرحمن الرحيم

.كتاب الطلاق:

والنظر في شرطين:
الأول: في عموم أحكامه. والثاني: في التعليقات خاصة.
أما:

.النظر الأول:

ففيه ستة أبواب:

.الباب الأول: في السنة، والبدعة:

وفيه فصلان:

.(الفصل) الأول: في بيان الطلاق السني والبدعي:

وطلاق السنة هو الواقع على الوجه الذي أباح الشرع إيقاعه عليه. والبدعي نقيضه، وهو الواقع على الوجه الذي منع الشرع إيقاعه عليه.
ولمنع إيقاع الطلاق أسباب:
أحدها: الحيض فيمن تعتد به، فطلاق الحائض بعد الدخول بدعي. واختلف في منعه، هل هو لما فيه من تطويل العدة، إذ بقية الحيض لا تحتسب. أو هو غير معلل. ولا بدعة في طلاق غير الممسوسة من هذا الوجه. والخلع في الحيض كابتداء الطلاق فيه. وقيل: يجوز.
واختلف في علة الجواز: فقيل: لأن ذلك تطويل برضاها. وقيل: إنه معلل بضرورة الافتداء. ويخرج على تحقيق العلة فرعان:
جواز الطلاق برضاها، وإن لم يكن عوض. واختلاع الأجنبي. وفي التطليق على المولي في الحيض للضرورة روايتان.
فرع:
من واقع المكروه، فأوقع الطلاق في حيض أو نفاس، ففي سياق كلام أشهب في كتاب محمد: أجبر على الرجعة سواء ابتدأه أو حنث فيه فإن أبى هدد بالسجن، فإن استمر على الامتناع حبس، فإن أصر ضرب بالسوط، ويكون ذلك كله قريباً في موضع واحد، لأنه على معصية، فإن لم يطع ارتجع الحاكم عليه.
ثم هذا الأمر بالارتجاع والإجبار عليه مستمر عند ابن القاسم ما بقي من العدة شيء.
وقال أشهب: يجبر ما لم تطهر من الحيضة الثالثة الحيضة الطلاق، لجواز ابتدائه الطلاق حينئذ.
فرع مرتب: إذا أجبر على الرجعة ولم ينوها، فقال الشيخ أبو عمران: له الوطء بعد ذلك وهو كالمتزوج على طريق الهزل.
قال عبد الحق: وهذا ظاهر ما رأيته لمن تقدم من أهل المذهب. قال: ورأيت لبعض البغداديين ما ظاهره خلاف هذا، وأنه لا يجوز له الوطء.
ثم المستحب بعد الارتجاع أن يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء طلقها بعد ذلك، لئلا تكون الرجعة للطلاق.
فإن طلق في الطهر التالي للحيضة التي طلق فيها كره له ذلك، ولم يجبر على الرجعة.
فرع:
روى عيسى عن ابن القاسم، فيمن طلق امرأته فقالت: طلقتني في الحيض، وقال هو: بل وأنت طاهر. أن القول قوله.
وروى ابن سحنون عن أبيه، فيمن طلق امرأته، فقالت: إني حائض، أنها مصدقة، ولا تكشف، ويجبر على الرجعة، ولا أرى أن ينظر إليها النساء.
السبب الثاني: التعدد، فمن أوقع عدداً في دفعة واحدة اثنتين أو ثلاثاً، فطلاقه بدعي.
ولا يكون الطلاق سنياً إلا مع الاتحاد وعدم التعدد، فلا يوقع في دفعة واحدة ولا في طهر واحد أكثر من طلقة واحدة فقط.
السبب الثالث: إمكان الحمل، فالطلاق في طهر جامعها فيه بدعي. ولو وطئها في الحيض، ثم طلقها فيه، فهو بدعي أيضاً. والآيسة والصغيرة لا بدعة في طلاقهن إلا من حيث العدد.
ويخرج حكم طلاق غير الممسوسة والحامل في حال حيضها على الخلاف في تعليل منع الطلاق في الحيض، هل هو معلل أو غير معلل.

.الفصل الثاني: في التعليق بالسنة والبدعة:

وفيه مسائل:
الأولى: إذا قال للحائض: أنت طالق للبدعة طلقت في الحال، وأجبر على الرجعة.
وكذلك لو قال: للسنة، للزمه مكانها طلقة، وأجبر على الرجعة، إذ كأنه قال: إذا طهرت فأنت طالق، فيتنجز عليه الطلاق الآن على المشهور من المذهب.
ولو قال للطاهر: أنت طالق للسنة وقع في الحال.
وكذلك إذا قال: للبدعة على الخلاف المتقدم. كما لو قال: لها أنت طالق إذا حضت.
وللام فيما ينتظر للتأقيت، كقوله: أنت طالق لرمضان، فيقع الطلاق إذا كان التأقيت لما يأتي بلا بد. وكذلك إن كان غالباً، على المشهور.
وإن كان الإمكان في إتيانه وعدم إتيانه على السواء لم يقع إلا بعد إتيانه.
بخلاف قوله: أنت طالق لرضا فلان، فإنه للتعليل، فيقع في الحال وإن سخط فلان.
الثانية: إذا قال: أنت طالق ثلاثاً للسنة، لزمه الآن ثلاث على المشهور، لأن ما عجل عليه يقع عليها على التنزيل قبل فراغ العدة، إذ كأنه قال: أنت طالق في كل طهر طلقة.
الثالثة: إذا قال للطاهر المدخول بها، وهي ممن تحيض: أنت طالق ثلاثاً بعضهن للسنة، وبعضهن للبدعة، لزمه ثلاث مكانه.
وكذلك لو قال ذلك لغير مدخول بها، لطلقت مكانها ثلاثاً أيضاً، لأن طلاق البدعة فيها يكون ثلاثاً. ولو قال لها: أنت طالق ثلاثاً للسنة، فقال سحنون: لا يلزمه فيها إلا طلقة، لأنها لا عدة عليها، فكأن الطلقتين أوقعهما على غير زوجة، كما لو قال: أنت طالق اليوم، وطالق غداً، وطالق بعد غد، فهي قد بانت بالأولى.
الرابعة: إذا قال: أنت طالق ثلاثاً في كل قرء طلقة. طلقت واحدة، إن كانت غير مدخول بها. وإن كانت مدخولاً بها طلقت ثلاثاً الآن على الخلاف المتقدم.
الخامسة: إذا قال: أنت طالق خير الطلاق وأجمله وأفضله وأحسنه، طلقت واحدة، إلا أن ينوي أكثر.
ولو قال: أقبح الطلاق وأسمجه وشره، أو أقذره، أو أنتنه، أو أبغضه فهي ثلاث.
ولو قال: أنت طالق واحدة عظيمة، أو قال: كبيرة، أو شديدة، أو طويلة، أو خبيثة، أو منكرة، أو مثل الجبل، أو مثل القصر، أو أنت طالق إلى البصرة أو إلى الصين. فذلك كله سواء، وهي طلقة، وله الرجعة، إلا أن ينوي أكثر.

.الباب الثاني: في أركان الطلاق:

ولابد لنفوذ الطلاق من أهل ومحل ولفظ أو ما يقوم مقامه من الفعل، وقصد إلى اللفظ، وولاية على المحل. فهذه خمسة أركان:

.الأول: الأهل:

وهو المطلق. وشرطه أن يكون مسلماً مكلفاً. فلا ينفذ طلاق الكافر، ولا الصبي، ولا من زال عقله بجنون، أو إغماء، أو نحو ذلك. من نوم أو غيره مما يذهب الاستشعار.
أما السكران بخمر أو نبيذ، فالمشهور نفوذ طلاقه. قال الإمام أبو عبد الله: وقد رويت عندنا رواية شاذة، أنه لا يلزم.
وقال محمد بن عبد الحكم: لا يلزمه طلاق ولا عتاق.
ونزل الشيخ أبو الوليد الخلاف على المخلط الذي معه بقية من عقله، إلا أنه لا يملك الاختلاط من نفسه، فيخطئ ويصيب.
قال: فأما السكران الذي لا يعرف الأرض من السماء، ولا الرجل من المرأة، فلا اختلاف في أنه كالمجنون في جميع أفعاله وأحواله، فيما بينه وبين الناس، وفيما بينه وبين الله تعالى أيضاً، إلا فيما ذهب وقته من الصلوات، فقيل: إنها لا تسقط عنه، بخلاف المجنون،
من أجل أنه بإدخاله السكر على نفسه كالمتعمد لتركها حتى خرج وقتها.

.الركن الثاني: اللفظ، وما يقوم مقامه من الفعل:

وفيه فصول ثلاثة:

.الفصل الأول: في اللفظ:

وينقسم إلى الصريح والكناية، وما عداهما.
أما الصريح، فما تضمن لفظ الطلاق على أي وجه كان، مثل أن يقول: أنت طالق، أو أنت مطلقة، أو قد طلقتك، أو الطلاق لي لازم، أو قد أوقعت عليك الطلاق، وأنا طالق منك، وما أشبه هذا مما ينطق فيه بالطلاق، فيلزم بهذه الألفاظ الطلاق، ولا يفتقر إلى النية. ومطلقها واحدة، إلا أن ينوي أكثر.
وأضاف القاضي أبو الحسن إلى ذلك قوله: سرحتك، وفارقتك، وأنت حرام، وبتة، وبتلة.
فأما لفظ السراح والفراق فيأتي حكمهما، وأما ما عداهما. فيقتضي الثلاث، إلا أن ينوي في غير الدخول بها دونها، فيقبل في الجميع، خلا البتة، فإن قبول ذلك فيها مختلف فيه.
وأما الكناية فقسمان: ظاهرة ومحتملة.
فأما الظاهرة، فهي ما جرى العرف أن يطلق بها في اللغة والشرع، مثل قوله: أنت خلية، وبرية، وبائنة، وبتة، وبتلة، وحبلك على غاربك، وأنت حرام، وأنت علي كالميتة والدم ولحم الخنزير. كذلك الفراق والسراح، واعتدي.
فأما قوله: خلية وبرية، وبائن، وبتة، وبتلة، وحرام، وحبلك على غاربك، فهذه جارية مجرى الصريح، لا يقبل منه أنه لم يرد بها الطلاق، ولا يقبل منه أنه أراد بها في المدخول بها دون الثلاث، إلا أن يكون على وجه الخلع. وتقبل دعواه في غير المدخول بها، وفي البتة خلاف. وقيل: إنها ثلاث، لا تقبل دعوى دونها بوجه. فأما اعتدي، فيقبل منه ما أراد من أعداد الطلاق.
وإن قال: لم أرد طلاقاً، فإن كان قد تقدم كلام يجوز صرفه إليه قبل منه. وإن كان ابتداءً كان طلاقاً.
وأما خليتك، وفارقتك، وسرحتك، فدعواه ما دون الثلاث مختلف فيه، قال القاضي أبو محمد: والصحيح أنه لا يقبل منه.
وأما المحتملة، فمثل قوله: اذهبي، وانطلقي، وانصرفي، واغربي، وما أشبه ذلك، فيقبل منه ما يدعيه من إرادة الطلاق، أو غيره، والثلاث فدونها.
ويلحق بالكنايات المحتملة، قوله: أنت حرة، ومعتقة، كما أن قوله: أنت طالق، كناية في العتاق.
أما ما عدا الصريح والكناية، فهو ما ليس من ألفاظ الطلاق، ولا محتملاته، كقوله: اسقني ماء وما أشبه ذلك. فإذا ادعى أنه أراد به الطلاق، فالمشهور أنه يكون طلاقاً.
وقيل: لا يكون طلاقاً.
فروع: إذا قال: ما أنقلب إليه من أهل حرام، أو ما أنقلب إليه حرام، لزمه الطلاق.
ولو قال: ما أنقلب إليه حرام إن كنت لي بامرأة. ففي دخول الزوجة في ذلك قولان. ولو قال: وجهي من وجهك حرام، ففيه خلاف أيضاً.
ولو قال لزوجته: يا حرام. فقال الشيخ أبو عمران: قال محمد بن عبد الحكم: لا شيء عليه. قال: وليس لغيره نص فيها. قال: وإذا كان في بلد لا يريدون به الطلاق، إنما ذلك كقول القائل: إنك سحت، أو حرام، وقوله لماله: يا حرام، يا سحت. فلا شيء عليه.
أما إذا قال: ما أعيش فيه حرام، ولا نية له. فقال محمد: لا شيء عليه. قال عبد الحق: وأعرف فيها قولاً آخر: إن زوجته تحرم عليه، كالقائل: الحلال عليه حرام. وأظنه في السليمانية.
قال: ورأيت في بعض التعاليق: سئل الشيخ أبو عمران عن القائل: كل ما يعيش فيه حرام. وقيل له: قد صار هذا عند الناس طلاقاً في عادتهم ويقصدون به تحريم الزوجة.
فقال: إذا صار ذلك عادة، لزم به الطلاق.
ثم إذا قلنا بدخول الزوجة في قوله: كل ما أعيش فيه حرام، وتحرم عليه بذلك، ما لم يحاشها بلفظه، أو بنيته، فإن فعل فلا شيء عليه.
وأما إن حاشى الزوجة في قوله: الحلال عليه حرام، أو غيره من ألفاظ الحرام الشبيهة بها، فإن كان مستفتياً، وذكر أنه نطق بها بلسانه، قبل قوله. وإن كان غير مستفت، أو كان مستفتياً ولم ينطق بها بلسانه، بل اعتقد ذلك بقلبه، فإن لم يقل: كل، نفعته المحاشاة، وإن قال: كل حلال علي حرام، أو شبه هذا اللفظ مما نطق فيه بلفظ كل، ففي انتفاعه بالمحاشاة خلاف.
أما إذا لم يحاش الزوجة في قوله: الحلال علي حرام، أو ما أحله الله عليه حرام،أو كل حلال، أو كل ما أحله الله عليه حرام. أو قال للزوجة: أنت علي حرام، أو أنت حرام، فإنه يقع عليه الطلاق في زوجته، ولا يحرم عليه غيرها.
ثم اختلف المذهب فيما يقع عليه من ذلك، فالمشهور من المذهب أنه ثلاث تطليقات، وينوي في أقل في غير المدخول بها خاصة.
ولعبد الملك في المبسوط: لا ينوي في أقل، وإن لم يدخل. وعند أبي مصعب ومحمد بن عبد الحكم: في حق المدخول بها ثلاث، وفي حق من لم يدخل بها واحدة.
وذكر ابن خويز منداد عن مالك أنها واحدة بائنة، وإن كانت مدخولاً بها. قال الإمام أبو عبد الله عقب ذكر هذه المسألة: وقد اختلفت أجوبة مالك وأصحابه في كنيات الطلاق، فسلكوا فيها طرقاً مختلفة، ففي بعضها يحمل اللفظ على الثلاث، ولا ينوي في أقل، وفي بعضها ينوي في أقل. وفي بعضها على الواحدة حتى ينوي أكثر منها. وفي بعضها ينوي قبل الدخول، ولا ينوي بعده. وفي بعضها فيمن لم يدخل بها واحدة، وفي المدخول بها ثلاث.
قال: هذا جملة ما يقولونه من ذلك. ويختلفون في بعض الألفاظ، من أي هذه الأقسام هو؟ وتفصيل ذلك وذكر الروايات فيه، وتعديد الألفاظ فيه طول، ولكنا نعقد أصلاً يرجع إليه جميع ما وقع في الروايات على كثرتها، ويعلم منه سبب اختلافهم فيما اختلفوا فيه، ووجه تفرقتهم فيما فرقوا فيه، ووجه التنويه في بعض دون بعض.
ثم قال: فاعلم أن الألفاظ الدالة على الطلاق بحكم الوضع واللغة، أو بحكم عرف الاستعمال، إما أن تتضمن البينونة والعدد جميعاً، كقوله: أنت طالق ثلاثاً، فهذا لا يختلف في وقوع الثلاث به، وأنه لا ينوي، ولا يفترق الجواب في المدخول بها، وغير المدخول بها. أو تكون دلالتها على البينونة وانقطاع الملك خاصة، فينظر في ذلك، هل يصح انقطاع الملك والبينونة بالواحد، أم لا يصح في الشرع إلا بالثلاث، وهذا أصل مختلف فيه أيضاً إذا لم تكن معه معاوضة. أو يكون يدل على عدد غالباً، وقد يستعمل في غره نادراً، فيحمل مع عدم القصد على الغالب، ومع وجود القصد إلى النادر عليه إذا جاء مستفتياً فيه.
وإن كانت عليه بينة فتختلف فروع هذا القسم.
وإن كان يستعمل في الأعداد استعمالاً متساوياً، وقصد إلى أحد الأعداد قبل منه، جاء مستفتياً، أو قامت عليه بينة فإن لم يكن له قصد، فهذا موضع الاضطراب، فمن أصحابنا من يحمله على أقل الأعداد استصحاباً بالبراءة للذمة، وأخذاً بالمتيقن دون ما زاد. ومنهم من يحمله على أكثر الأعداد أخذاً بالاحتياط واستظهاراً في صيانة الفروج لا سيما على قولنا: إن الطلقة الواحدة تحرم، فكأن الاستباحة بالرجعة مشكوك فيها ها هنا، ولا تستباح الفروج بالشك.
قال: فاضبط هذا، فإنه من أسرار العلم، وإليه ينحصر جميع ما قاله العلماء المتقدمون في هذه المسائل، وبه تضبط مسائل الفتوى في هذا الفن.
ثم قال: وأقرب مثال يوضح لك هذه الجملة ما نحن فيه من مسألة القائل: الحلال علي حرام، فقولهم في المشهور: أنها ثلاث، وينوي في غير المدخول بها في أقل بناء على أن هذا اللفظ وضع لإبانة العصمة، وأنها لا تبن بعد الدخول بأقل من ثلاث، وتبين قبله بواحدة، وكونها في العدد غالباً في الثلاث، ونادراً في أقل منه، فحملت قبل الدخول على الثلاث، ونوى في أقل.
وقول عبد الملك: لا ينوي في أقل وإن لم يدخل، بناء على أنها موضوعة للثلاث، كقوله: أنت طالق ثلاثاًَ، ويلحق بأول الأقسام التي ذكرها.
وقول أبي مصعب. يجري في التي لم يدخل بها واحدة، وفي المدخول بها ثلاث. بناء على أنها لا تفيد عدداً، وإنما تفيد البينونة لا أكثر، والبينونة تصح في غير المدخول بها بواحدة، ولا يصح في المدخول بها إلا بالثلاث على إحدى الطريقتين اللتين ذكرنا.
وقول ابن خويز منداد عن مالك: إنها واحدة بائنة وإن كانت مدخولاً بها. بناءً على أنها لا تفيد عدداً كطريقة أبي مصعب، ولكن عنده البينونة تصح بعد الدخول بواحدة، فمن ها هنا افترقت طرقهم.
وما نقل عن ابن أبي سلمة من أنها واحدة رجعية بناء على أنها تفيد انقطاع الملك على صفة، ولا تستعمل غالباً في الثلاث، فحكم بكونها واحدة لصحة معنى اللفظ في الواحدة، وهي كونها محرمة عندنا وإن كانت الطلقة رجعية.
قال: وهذا مجمل قول عبد الملك وربيعة في الخلية والبرية والبائن، أنها في غير المدخول بها واحدة مأخوذة من إحدى هذه الطرق التي ذكرنا.
وينويه أشهب في الخلية والبرية وإن كانت مدخولاً بها على ما حكى عنه أبو الفرج تؤخذ أيضاً من إحدى هذه الطرق التي قدمنا.
قال: وعلى هذا يخرج من المسائل ما لا يحصى كثرة، فاحتفظ به، فإنه عقد حسن.

.الفصل الثاني: في الفعل:

وهو أنواع، منها:
الإشارة المفهمة، وهي معتبرة من الأخرس في الطلاق، والظاهر منها في حقه كالصريح.
وأما القادر، فإشارته كالكناية، ومنها كتب الطلاق من القادر على النطق، فإن كتب الكتاب بالطلاق، وهو عازم على الطلاق، وقع عليه ما كتب، وإن لم يخرج الكتاب عن يده.
وإن كتبه غير عازم، بل ليشاور نفسه، ثم بدا له، لم يقع عليه طلاق، إلا أن يخرجه من يده عازماً. فإن أخرجه من يده غير عازم، فله رده ما لم يبلغ المرأة فيلزمه.
وروي أنه إن أخرجه من يده لزمه وإن كان غير عازم، ويكون كالنطق به والإشهاد. قاله في كتاب محمد. قال: كان في الكتاب: أنت طالق، أو إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق.
ومنها لو باع امرأته فقال ابن القاسم: يقع على الزوج فيها طلقة بائنة. قال: وبلغني ذلك عن مالك. وروى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب: أنه لا يكون طلاقاً. وروى سحنون عن ابن نافع مثل قول ابن القاسم. قال سحنون: وسواء غاب عليها المشتري أو لم يغب.
وقال ابن عبد الحكم وأصبغ: تحرم عليه كالموهوبة.
وقال أصبغ أيضاً: إذا باعها هازلاً، أو زوجها هازلاً، فليس بطلاق. فإن كان جاداً في الوجهين فهو البتات.
فرع:
هذا حكم لقول والفعل إذا اقترن به قصد الطلاق. فأما لو عقد الطلاق بقلبه جزماً من غير تردد، أي طلق بالنطق النفسي الذي هو كلام النفس، من غير أن يقترن به قول ولا فعل، لكان في وقوع الطلاق عليه بمجرد ذلك روايتان.

.الفصل الثالث: في تفويض الطلاق إلى الزوجة:

وللرجل أن يجعل إلى المرأة طلاقها، وذلك على وجهين: توكيل، وتمليك.
ففي التوكيل، له أن يرجع ما لم تطلق نفسها. وفي التمليك ليس له ذلك، إلا أن تبطل تمليكها. والتمليك على وجهين: تمليك تفويض، وتمليك تحجير.
فتمليك التفويض، هو أن يقول: قد ملكتك أمرك، أو أمرك بيدك، أو طلاقك بيدك، أو ما أشبه ذلك.
ثم لا يخلو حالها، من أن يصدر عنها ما يقتضي الإجابة من قول أو فعل، أو لا يصدر عنها شيء من ذلك أصلاً، ثم القول صريح ومحتمل. فهذه أربعة أقسام:
القسم الأول: النطق الصريح، ويتعين العمل بما اقتضاه، كان في اختيار الزوج، أو في إيقاع الطلاق، إلا أن توقع أكثر من واحدة، فتكون له المناكرة فيما زاد عليها إذا ادعى أنه نوى دون ما أوقعت، وأتى بالمناكرة على الفور حين سماعه لقولها من غير سكوت ولا إهمال.
ولو قال: لم أرد طلاقاً، لم يقبل منه، ووقع ما أوقعته. فلو عاد بعد ذلك، وادعى أنه أراد دون ما قضت به، قبل منه مع يمينه. وقيل: لا يقبل منه، لاعترافه بأنه لم تكن له نية الطلاق.
هذا إن كان تمليكه طوعاً، فإن كان بشرط، شرط عليه، لم تكن له المناكرة.
فرع:
حيث قلنا: يحلف إذا ناكرها، فإنما ذلك عند إرادته الرجعة، لا قبل ذلك، إذ لا فائدة له فيها إلا هنالك.
القسم الثاني: أن تجيب بنطق مبهم يحتمل الإيقاع وغيره، كقولها: قبلت أمري، أو قبلت ما ملكتني، أو قبلت بهما، فإنها تسأل عن مرادها، ويقبل منها ما تفسر به من البقاء على الزوجية، فيبطل تمليكها، أو إيقاع الطلاق، فيكون على ما تقدم.
أو قبول التمليك والتروي في البقاء أو الطلاق، فتؤخذ الآن بالتنجيز من إيقاع أو رد.
القسم الثالث: أن يصدر منها فعل يدل على مرادها، مثل أن تنتقل وتنقل قماشها، وتنفرد عنه، ويظهر من فعلها ما يدل على سرورها بالعبد منه وزوال سلطانه عنها، فيحمل ذلك على الطلاق، ولا يقبل منها إن قالت: لم أرده.
القسم الرابع: أن لا يصدر عنها قول ولا فعل يفهم أنه جواب، بل تمسك عن جميع ذلك إلى أن يتفرقا عن المجلس، أو يطول بهما طولاً يخرج عن أن يكون ما تأتي به جواباً، ففي إبطال حقها بذلك من التمليك، أو إبقائه، وأخذها بموجبه من تطليق أو رد، روايتان، فإن فعلت، وإلا رفعت ليحكم عليها بسقوط التمليك.
وسبب الخلاف: حمل حكمه على حكم العقود التي تبطل بتراخي الجواب، أو على حكم التمليكات، كخيار المعتقة. على أن بين الأصحاب خلافاً في حكم طول المجلس بها أيضاً.
وأما تمليك التحجير، فهو التخيير، وهو على ضربين: تخيير مطلق، وتخيير مقيد.
فأما المقيد فهو أن يخيرها في عدد بعينه من أعداد الطلاق، فيقول: اختاريني أو اختاري طلقة أو طلقتين. فليس لها أن تختار زيادة على ما جعل لها.
ولو قال: اختاري من تطليقتين، اقتصرت على واحدة. ولو قال: اختاري من تطليقتين. ففي الكتاب: تقضي بهما، فإن قضت بواحدة، لم يلزمه شيء.
وقال ابن سحنون: لها أن تقضي بواحدة.
وأما المطلق، فهو التخيير في النفس، وهو أن يقول: اختاريني أو اختاري نفسك. فهذا يقتضي اختيار ما تنقطع به العصمة، وهو في المدخول بها الثلاث في المشهور.
فلو قالت: اخترت الثلاث، أو اخترت نفسي، بانت بالثلاث، ولم يكن له أن يناكرها.
وقال ابن الجهم: للزوج أن يناكرها في الثلاث، وتكون طلقة بائنة. قال ابن سحنون: وعليه أكثر أصحابنا. رواه ابن خويز منداد عن مالك، وحكى عن أبيه ما يشير إلى أنها تكون طلقة رجعية كالتمليك.
وإذا فرعنا على المشهور، فأوقعت طلقة واحدة، لم تقع. ثم هل يبطل ما كان بيدها بذلك، أو يبقى لها استئناف إيقاع الثلاث؟. قولان لابن القاسم وأشهب.
قال أبو الحسن اللخمي: وهذا إن سبقت فقضت، وإلا فمتى خيرها في إيقاع الطلاق الثلاث في دفعة واحدة، فذلك ممنوع، وينزعه الحاكم من يدها إلا أن تسبق بالقضاء بالثلاث، فيمضي.
وحكى الشيخ أبو الطاهر عن المتأخرين قولاً بجوازه، تمسكاً بآية التخيير.
وفرق القائل الأول بأن لفظ الآية يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم المسرح، وأن لفظ السراح لا يقتضي الثلاث، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يندم، ولا يرتجع. هذا حكم التخيير في المدخول بها.
فأما غير المدخول بها إذا خيرها فقالت: اخترت نفسي، ولم ينو هو ولا نوت هي عدداً، فإن محمله منهما عند مالك على الثلاث. وإن نوت واحدة أو ثلاثاً، كان ذلك على ما نوت إذا لم يناكرها. فإن قضت بالثلاث، وقال: أردت واحدة صدق.
وقال ابن حبيب: قال أصبغ: إن نوت واحدة، فقال الزوج: لم أخيرك إلا في الثلاث، فله ذلك، ولا شيء لها. وكذلك لو لم تكن له نية.
فروع:
إذا ملكها الزوج أو خيرها كما تقدم، أو ملك غيرها، لم ينتقل بذلك الطلاق عن ملك الزوج، ولا خرجت العصمة من يده، بل للمملك أن يقضي فيه فقط، والعصمة باقية بيد الزوج، بدليل أنه لم يقع عليه طلاق بمجرد التمليك، حتى يقضي من جعل له التمليك، وأن طلاقه لها بعد التمليك يلحقها.
ولا يشترط في الزوجة المخيرة بلوغ الاحتلام والحيض، بل لو خيرها قبل أن تبلغ وقبل البناء، فاختارت نفسها، فهو طلاق.
قال ابن القاسم: إذا بلغت حد الوطء.
وقال أشهب وعبد الملك في الصغيرة: ذلك لها.
وروى عيسى عن ابن القاسم: إذا بلغت مبلغاً تعرف ما ملكت ويوطأ مثلها، فذلك لازم.
ومن ملك امرأته، ثم طلقها قبل أن تقضي، فبانت منه بوقوع الثلاث، أو بانقضاء العدة فيما دونها، ثم تزوجها لم يكن لها أن تقضي بحكم التمليك الأول، بل بطل ما كان بيدها، إذ مضمون التزويج الرضا بالإصابة به وتستحق الصداق، وذلك يسقط ما بيدها، كما لو رضيت به قبل الطلاق، لسقط ما بيدها وإن لم يصبها.
فأما لو طلقها ثم ارتجعها في العدة بغير اختيارها لكان لها القيام بما جعل لها.
ولو جعل ذلك بيد أجنبي، فغاب الأجنبي، فإن فهم عنه إسقاط ما جعل له من ذلك، سقط.
وكذلك إن غاب ولم يشهد أنه باق على حقه، فإن أشهد أنه باق على حقه فللزوج أن يرفع إلى السلطان، فإن كان قريب الغيبة كتب إليه بإسقاط ما بيده، أو إمضاء ما جعل إليه، وإن كان بعيد الغيبة فقيل: يسقط ما بيده وينتقل إلى الزوجة، لأن المملك كالنائب عنها، وإذا لم يوجد جعل الأمر إليها.
وقال في كتاب محمد: ذلك بيده، ولا يقربها الزوج، لأنه قد جعل الأمر في طلاقها إلى غيره، فيلزمه ما التزم.
وإذا فرعنا على هذا، ثم قامت بحقها في الوطء ضرب له أجل المولي إذا رجي قدومه واستعلام ما عنده في الأجل، فأما لو لم يرج له ذلك، ففي ضرب الأجل له قولان للمتأخرين.
ولو جعل أمرها بيدها إن غاب مدة يسميها. فلها أن تقوم بالفراق عند ذلك الأجل، فإن تراخت ثم قامت، فهل يكون ذلك بيدها ما لم يأت من طول الزمان ما يدل على الإسقاط أو لا يكون بيدها إلا أن تشهد أنها باقية على حقها؟ قولان.
وإذا فرعنا على الأول، فهل تحلف أنها لم تسقط؟ قولان أيضاً، وهما خارجان على أيمان التهم.
فإن تزوجت، ثم ثبت أنه قدم قبل ذلك، فقد فرقوا بين أن تعلم بقدومه، ثم تتزوج، أو لا تعلم. فإن علمت فسخ نكاح الثاني، وإن لم تعلم. جرى على الخلاف فيمن طلق ثم ارتجع فلم تعلم الزوجة برجعته حتى تزوجت. وفي ذلك قولان مذكوران في كتاب العدة.